الصمت-الجزء السادس

هناك في أعماق النفس، حيث لا يصل ضجيج العالم ولا أصوات البشر، يتربع الصمت كملكٍ حكيمٍ يراقب في هدوء. إنه ليس غيابًا للكلام فقط، بل حضورًا مكثفًا للذات، دعوة للعودة إلى أعماقك، وإلى مرآة لم تجرؤ يومًا على النظر إليها. تخيل معي هذا المشهد:

أنت وحدك في غرفة مظلمة، لا ضوء سوى وهج خافت يتسلل من نافذة صغيرة. الغرفة فارغة إلا من كرسي خشبي في المنتصف. تجلس عليه، وتسمع فقط نبض قلبك، يتسارع أولاً، ثم يهدأ شيئًا فشيئًا. هنا، يبدأ الصمت في الحديث، لكنه لا يستخدم الكلمات، بل الأسئلة:

لماذا أنت هنا؟

ماذا تخفي خلف أقنعة القوة والهروب؟

ما الحقيقة التي تحاول دفنها؟

ليس الصمت ضعفًا أو هروبًا، بل هو قرار الحكيم الذي يعرف متى يكون الكلام ضرورة ومتى يكون عبئًا. إنه تلك اللحظة التي تصل فيها إلى قمة النضج، حيث لا تُغريك الحوارات الفارغة، ولا تستفزك الكلمات الجارحة

في الصمت، تكتشف أن القوة ليست في الحديث المتواصل، بل في الصبر على الضجيج حتى يختفي، لتبقى أنت وحقيقتك.

حين تُغلق أبواب العالم من حولك، يبقى الصمت مفتاحًا لباب داخلي، باب يقودك إلى فهم أعمق. إن الصمت لا يطلب منك الإجابات، بل يدعوك لتطرح الأسئلة الصحيحة.

لنجعلها لعبة. أغلق عينيك لثلاث دقائق. لا تفكر في شيء محدد. فقط استمع لصمتك. ستكتشف أنه ليس فارغًا كما يبدو. بل هو ممتلئ بأفكارك، مخاوفك، وآمالك. هذا الصمت هو أنت، بصورتك الحقيقية.

تحت وهج الصمت، لا مجال للهروب. كل قناع يسقط، وكل عذر ينهار. في هذه اللحظة فقط، تعرف من أنت حقًا، بلا خوف أو تزييف. الصمت لا يحاكمك، بل يمنحك فرصة لتواجه نفسك بشجاعة.

النضج ليس في الرد على كل ما يُقال، بل في اختيار متى تصمت ومتى تتكلم. إنه في قبول أن بعض المعارك تُربح بالتجاهل، وبعض الأسئلة لا تحتاج إجابة. الصمت هو الكمال الذي نسعى إليه جميعًا، لكنه لا يأتي إلا لمن يستطيع أن يتحمل ثقل الحقيقة.فماذا لو كان صمتك اليوم هو الجواب الذي كنت تبحث عنه طوال حياتك؟

والان....

خذ لحظة، الآن، لا تنظر إلى شاشتك ولا تسمع أي صوت. فقط اجلس، ودع صمتك يرشدك. لأنه في النهاية، الصمت ليس نهاية الطريق، بل بدايته.

#الصمت #قمة_النضج #حكمة_العقل #رحلة_الذات #لحظات_التأمل #الكمال_الداخلي #فلسفة_الحياة #اكتشاف_النفس #لعبة_الصمت